دراسة سويدية بعنوان «هل تعزز الحرية الاقتصادية من التسامح؟» قامت بتحليل بيانات تم جمعها من 69 بلداً حول العالم، لمعرفة العلاقة بين اقتصاد كل دولة ومدى انتشار ثقافة التسامح فيها. فوجدوا علاقة سببية واضحة بين الاقتصاد والتسامح..
لكن، كيف ذلك؟
للتعرف على تفاصيل هذه الدراسة تواصلنا مع الباحثين اللذين أجرياها «د.نيكلاس بيرجرينNiclas Berggren» و«د. ثيريس نيلسونTherese Nilsson» من معهد بحوث الاقتصاد الصناعي في ستوكهولم، وكان لنا معهما هذا الحوار..
نعتقد أن الاقتصاد يمكنه أن يزيد من التسامح، بأكثر من طريقة.. الأولى، وجود سياسة نقدية ذات نتائج مستقرة وتضخم منخفض، يزيد من توفر اليقين المالي والقدرة على التنبؤ.. وهذا يزيد التسامح، لأن معدلات التضخم لو كانت مرتفعة ومتقلبة، فإن هذا يخلق مخاوف بين كثير من الناس من أن أجورهم ومدخراتهم ستصبح أقل من حيث القيمة الحقيقية. يمكن لمثل هذه المخاوف أن تؤدي بسهولة إلى توترات وصراعات بين الناس، فيقل التسامح بينهم. خاصة إذا كانت بعض الجماعات ترى أن هناك جماعات أخرى تستطيع الاستفادة بشكل غير عادل من الوضع النقدي المضطرب غير المستقر. والطريقة الثانية التي يؤثر فيها الاقتصاد على التسامح، هي وجود نظام قانوني قوي يحمي السوق، لأنه يقدم ضمانات للمجتمع بأن النصابين والمجرمين سيعاقبون على أفعالهم بلا استثناء. وهو ما يجعل الناس أكثر اطمئناناً في تعاملاتهم.. دون خوف من بعضهم.. فتزيد الثقة بين الناس، ويصبحون أقل تشككاً تجاه الآخرين -بما في ذلك المختلفون عنهم- فيتقبلونهم بسهولة أكبر، ويزيد التسامح.
لم ندرج مؤشرات التسامح الديني في دراستنا هذه. لكن في دراسة أخرى بعنوان «العولمة ونقل القيم الاجتماعية: حالة التسامح»، ندرس كيف تؤثر العولمة في التسامح بكافة أشكاله، بما في ذلك التسامح الديني. نجد أن العولمة الاقتصادية والاجتماعية تزيد من رغبة الآباء في تعليم أطفالهم أن يكونوا متسامحين، لأن الطفل المتسامح سيكون أكثر انفتاحاً على فرص السفر للخارج والعمل وسط مجتمعات أخرى.
نعم، يمكن أن تكون هناك علاقة سببية في كلا الاتجاهين. لا يمكننا استبعاد أن المجتمعات المتسامحة أكثر قدرة على تصميم إطار قواعد اقتصاداتها بطريقة أفضل من المجتمعات غير المتسامحة. على سبيل المثال، قد يكون من السهل الاتفاق على إصلاحات مهمة في مجتمع يتسامح فيه الناس، ويحترمون بعضهم بعضاً. لكن، لدينا أدلة علمية قوية تؤكد أنها تنتقل من المؤسسات الاقتصادية والقانونية إلى التسامح.
أبحاثنا تركز فقط في كيفية تصميم النظم الاقتصادية.. إذ نعتقد أن أهم شيء يجب ترسيخه هو سيادة القانون، توفير نظام قانوني عالي الجودة وفعال وغير فاسد وغير متحيز. وتشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن سياسة تأمين التضخم المنخفض والمستقر والسياسات التي تزيد من الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي على البلدان الأخرى، يمكنها أيضاً أن تزيد من التسامح.