Loading

You are here

كيف تصبح ديكتاتورا محترفا؟

(هذا العمل خيالي و لا علاقة له بالواقع. و أي تشابه بينه و بين شخصيات حقيقية,هو سوء نية من القارئ.)

ماكيافللي 2010
كيف تصبح ديكتاتورا محترفا؟


عزيزي المسئول..
يحتم منصبكم أن تطوروا من مهارات فخامتكم الإدارية في حكم عبيدكم , فاسمحوا لي أن أهدي بين يدي سيادتكم خلاصة ما وصل إليه خبراء الديكتاتورية, في مختلف البلاد عبر العصور و الآباد.

١- الرؤية:

يقول علماء الإدارة, أن المسئول يجب أن تكون له رؤية و هدف يحاول تحقيقه.. و هذا بالطبع -يا سيدي- كلام فارغ.
لو خرجت للناس متحدثا عن نفسك (في حملة انتخابية مزورة مثلا) تكلم عن إنجازاتك الكبيرة و تضحياتك العظيمة و ماضيك المجيد.. لا تتكلم عن هدف قومي أو حلم يشاركك فيه الناس.. لأن المستقبل بيد الله. و قد قال الفيلسوف: "احييني النهاردة و موتني بكره" أطال الله في عمر سيادتكم.. فاعمل بالأسلوب العلمي الجديد: حين تحدث مشكلة، يبقى ربنا يسهل.
ليكن هدفكم الدائم هو البقاء في كرسي معاليكم, ففي ذلك ضمان للأمان و الرخاء و السعادة و المستقبل المشرق للأسرة الكريمة.

٢- القيادة:

يقول الخبراء, أن كل مسئول يجب أن يكون قائدا في موقعه. و أن يحبه الناس و يتبعوه لتحقيق أهداف المؤسسة.. ليكون البلد كله مليئا بالقيادات و الرموز, الذين يعملون معا في سيمفونية عمل جماعي كي ينهضوا بالوطن كله.. و هذا – يا سيدي- خطأ جسيم!
لا تسمح بانتخابات يختار فيها الناس حاكم مدينتهم.. بل اختره أنت.. فيشعر الناس أنهم غير مسئولين عن محافظتهم و أن صوتهم الانتخابي بلا معنى أساسا.. لو انتخبوا حاكم مدينتهم فمعنى هذا أنهم يحبونه و يثقون به, و هو مالا يجب أن تسمح به أبدا.
و لا تجعل حاكم مدينة محبوب يظل في مدينته طويلا , بل انقله إلى مكان بعيد لا يعرفه فيه أحد.
ليكن البطل الوحيد هو أنت يا سيدي.. لا تسمح لكل من هو دونك, أن يكون محبوبا أو أن يلتف الناس حوله.. اقصم ظهر كل ذي كاريزما و اسحق كل من يتعلق به الناس..

كي لا يجد الناس رمزا و بطلا, إلا أنت. 

     ٣- المسؤولية:

يقول علماء الإدارة أيضا, أن السلطة تتناسب طرديا مع المسئولية.
يعني: كلما زادت السلطات المتاحة لك, زادت مسئوليتك عن أي فشل –أو نجاح- قد يحدث.
و هذا –سيدي- كلام فارغ أيضا.

لتكن كل السلطات في يدك أنت.. فأنت الكل في الكل, و كل ما تقوله يعلو فوق القانون و تنبغي طاعته.

أما عن المسئولية عما يحدث, فهي حسب الظروف:

- لو كان هناك فشل: فهي مسئولية الذين هم تحتكم مباشرة.. اخرج في الملأ و عبر عن استياءك من أدائهم و اسمح بنقدهم.. و كأن العباد هم من جاءوا بهم من عند أهاليهم و ليس أنت.
كما يمكن أن تلوم العباد أنفسهم, لأنهم كسالى أو ينجبون كثيرا أو يتذمرون.. فركاب السفينة –سيدي-هم المسئولون عن تحطمها و ليس القبطان.

- أما لو كان هناك انتصار: فأنت المسؤول ياسيدي بالطبع.. مهما بعدت العلاقة بينك و بين هذا النصر. كانتصارات فريق البنج بونج مثلا, لو ربحوا البطولة اظهر معهم في الصور و دعهم يشيدون بك فأنت السبب طبعا.. و لو انهزموا , فما علاقة ذلك بك أساسا؟ 

 

 ٤- الثقافة:

لا تقرأ – سيدي- ففي ذلك وجع دماغ كبير.. و اجعل بطانتك المثقفين, مكروهين و محدودي الموهبة.. مثلكم تماما يا سيدي, كي تفهم ما يكتبون و كي لا يحب كتاباتهم الناس فيصبحوا أبطالا.

لا تشغل بالك بقضايا يضيع المثقفون وقتهم فيها , كضياع الهوية الثقافية و انعدام الحلم القومي  و أهمية البحث العلمي و تطوير التعليم.. فكل هذا -يا سيدي- هراء في هراء.
و لا تجعل العبيد يفكرون في هذه الأشياء أيضا..بل اشغلهم في أشياء أخرى..
كان الحكام في روما القديمة , يلهون العوام في ألعاب موسمية تجرى في مدرجات (الكولوسيوم)..ألعاب مثل مصارعة العبيد و إطعام معارضي الملك للأسود.
لذلك –سيدي- اشغل العوام و أجج تعلقهم و شجع تطرفهم في التعلق بالمباريات الرياضية.. اسمح لهم بأن يجوبوا الشوارع في مظاهرات نارية مشجعة لفريقهم ,
لكن لا تسمح بمسيرة تدعو إلى شيء جاد, ففي ذلك تعطيل للمرور.


5- حل المشاكل:

اعلم سيدي أن لكل مشكلة حلاً , من اثنين!

الحل الأول: اللوم

فلنفترض مثلاً أن هناك مجاعة اجتاحت البلاد.. ألقِ باللوم فوراً على مساعديك وأعوانك وبطانتك الذين لا يُنفّذون تعليماتك الحكيمة.
لو فرضنا أن الجفاف قد ضرب البلاد؛ فألق باللوم فوراً على العبيد؛ لأنهم يستحمّون بكثرة ويتركون صنابيرهم مفتوحة.. لا علاقة لهذا بعجزك عن تحلية مياه البحر كباقي الدول؛ فالعبيد مخطئون دائماً وليس معاليكم..
إذن فالحل الأول هو لوم أي شخص آخر؛ فأنت بريء ولا علاقة لكم بأي شيء سيء يحدث.

الحل الثاني: الأمان

لو حدثت مظاهرة أو تذمّر أو اعتراض أو عَلَت الأصوات بسبب المجاعة والجفاف، أطلق عليهم قوات الأمن؛ فهذا هو الحل الأكيد للتخلّص من الحشرات الزاحفة.

كان هناك حلّ يُستخدم قديماً يسمى "الإنكار".. اجعل كُتّابك يكتبون أن الحال "عال"، وأن المجاعة موجودة في بلاد أخرى؛ لكن حكمتكم أنقذتنا منها، وأننا أفضل من غيرنا بمراحل، وأن القلّة القليلة هي التي تدّعي أن هناك مجاعة، وأنهم أعداء الشعب، وينبغي التخلّص منهم.. وأصبح هذا صعباً لوجود الفضائيات والفيس بوك؛ لذلك فاسعَ لمنعها بالتدريج.

6-الشعب:

الشعب سيدي هم عبيدك؛ لذلك عليك أن تسيطر عليهم وتقمعهم كي لا ينسوا ذلك.

- اجعل أسافل القوم أسيادهم.. كي تعلّمهم أن المناصب لا تأتي بالجد والاجتهاد؛ لكن -فقط- برضاك أنت؛ فلا تجعل رؤساء أساتذة الجامعات ومراكز الأبحاث -مثلاً- يترقّون بأوراقهم العلمية؛ لكن بتقارير الأمن.. وهكذا.

- اجعل حقوقهم كأنها مِنحة ترميها لهم أنت.. اجعل العلاج -مثلاً- قرارك أنت؛ فتعلن في التليفزيون أنك قرّرت منح الشخص المشهور قراراً بالعلاج على نفقة الدولة، واجعل المذيع يثني على كرمك وإنسانيتك وعظمتك؛ وكأنه ليس حقاً قانونياً لعموم الناس؛ بل كأنك تدفع من جيبك أنت !.

- اجعل فقرهم مُدقعاً؛ لتخلق الوهم بأن السبيل الوحيد للخلاص منه هو التعلّق بك أنت؛ بأن ينضمّوا لفريقك ليشعروا ببعض الأمان ويعتقدوا أن أبواباً ما سوف تُفتح لهم؛ بهذا تضمن المزيد والمزيد من الأتباع؛ فلا طريق لحياة كريمة إلا بك؛ فأنت العظيم الواحد، وكل من دونك هالك.


7- التغيير:

ظهر فرع جديد من فروع الإدارة يُسمى "إدارة التغيير"، يقول أن التغيير هو الطريق الصحيح كي تحصل على نتائج مختلفة؛ لأن العالم كله يتغير.. لقد نشأ مفهوم جديد يُعرف بـ"الطبيعي الجديد" The New Normal ؛ أي أن الشيء الطبيعي والمعتاد بالأمس, لم يعد هو الطبيعي والمعتاد اليوم.. لا بد من التعامل مع الواقع الجديد بعقلية جديدة وأساليب إدارة جديدة وأفكار جديدة.
 
هذا الكلام -سيدي- يجب منعه من كليات الإدارة؛ ففيه خروج على النظام.

فالتغيير يعني تغيير العقليات و المسئولين و الاستداتيجيات، للتواؤم مع المتغيرات الجديدة.< و لتحقيق نتائج لم تستطع العقليات القديمة تحقيقها..
لذلك فالتغيير كلمة غير مستحبة.

"التغيير" هو الفوضى والخراب، لسيادتكم.
فنَعَم للاستقرار والركود؛ ففيه الأمن والأمان، لسيادتكم.


8- العلاقة بالخارج:

 لا يُهم أن يكون العبيد جائعين مقهورين؛ بل المهم أن تُظهر للعالم أنهم غير ذلك.. اصنع برلماناً صورياً؛ معظمهم من أتباعك؛ كي يمثّلوا ديكوراً أمام العالم، كي يحترمك العالم ويعتبرك مسئولاً شرعياً اختارك الناس.
املأ الأرض جوراً وفقراً وجوعاً.. اجعل الناس أضعف وأفقر من أن يقفوا أمامك.. واجعل الاستقواء بالخارج جريمة لا تُغتفر.. أما الاستقواء بالداخل؛ فلا بأس به.


حفِظَكم الله ورعاكم خراباً للوطن وذلاً للعباد.
خادمكم المطيع
د.شريف عرفة

تعليقات القراء