بقلم د.شريف عرفة
كأي مسلم آخر.. يهمني دائما في صلاة الجمعة أن أنتقي مسجدا يتميز معماره بالفخامة و خطيبه بالفصاحة.. لأنني أعتبر هذا زادا روحيا سيظل معي طوال الأسبوع.
أجلس في بداية الخطبة و أحاول الاندماج تماما في حديث الخطيب وأفكر في تطبيق ما يقول في حياتي العادية.. أتفكر في كلماته, ثم يأتي الدعاء..
يبدأ الخطيب في الدعاء, و أنهمك في التأمين من خلفه :
اللهم انصر المجاهدين في كل مكان .. (آمين)
اللهم أمدهم بمددك .. (آمين)
و أعزهم بعزك.. (آمين)
و انصرهم يا أرحم الراحمين.. (آمين)
اللهم عليك باليهود و الأمريكان ومن والاهم (!!!!!!)
اللهم شتت شملهم.. (آمين)
و فرق جمعهم.. (آمين)
اللهم يتم اطفالهم و رمل نساءهم... (!!!!!!)
اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم.... (!!!!!!)
اللهم أهلكهم كما أهلكت عادا و ثمود... (!!!!!!) .
و أقم الصلاة..
بشكل ما , أشعر بأنني فقدت اندماجي مع الإمام..
نعم أنا مسلم أشهد ألا إله إلا الله و أن سيدنا محمد رسول الله .. كما أنني لا أستريح للتأمين خلف هذا الدعاء..
أولا : اللهم عليك باليهود و الأمريكان .. فلماذا لم يقل الإسرائيليين مثلا ؟؟ أو الكيان الصهيوني؟ أو قوات الإحتلال أيا كانت؟؟
هل أدعو عليهم فقط, لأن دينهم السماوي هو اليهودية, أيا كان انتماءهم الفكري و السياسي ؟؟
هل يحثنا ديننا على كره أصحاب الأديان الأخرى ؟؟
ما أعرفه, هو أنني لو رأيت شخصا وثنيا يعبد (بوذا).. فالقرآن الكريم يأمرني ألا أسب (بوذا) احتراما لعقائد الآخرين..
لأن هذا شيء يحكم فيه الله تعالى: ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم. كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ) [الأنعام: 108]
ثم مالهم الأمريكان بقى أنا عايز أفهم ؟؟؟
هل أمرنا الله ان تكره أناسا معينين, طبقا للجنسية التي يحملونها؟
هناك أمريكان : مسلمون و هندوس و بوذيون و مسيحيون.. و هناك أمريكان يتظاهرون ضد الحرب و منهم من يعارض الحرب و منهم أمريكان لا يأبهون لشيء من كل هذا !.. فهل أدعو عليهم بسبب جنسيتهم فقط ؟؟
أكل ذنبهم أنهم يحملون الجنسية الأمريكية ( التي يحلم بها نصف شبابنا ) بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية؟؟
ثانيا : اللهم يتم اطفالهم و رمل نساءهم .. دائما ما يقشعر بدني عند هذا القول.. حين اكون بين يدي الله تعالى .. أأرفع كفي لأدعوه بتيتيم طفل و ترميل امرأة ؟؟؟ أيعقل هذا أيها المسلمون ؟؟
لا أرفض الحرب ضد العدو أيا كان .. القتل يحدث في أي حرب في العالم.. لكن هناك فرق بين أن أقتل عدوا لأنني أدافع عن قضيتي.. و بين أن أتمنى و أدعو الله, أن يموت , كي أرمّل زوجته , و أيتم ابنه !!!
لاحظ أن الدعاء هنا على زوجات و أبناء الأمريكان و اليهود عموما دون تمييز !
كما أنه ليس حديثا مأثورا بالمناسبة .. فلماذا الإصرار عليه ؟؟؟
ثالثا: اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم.. ...اللهم أهلكهم كما أهلكت عادا و ثمود.. و يضاف لهذه الفقرة أحيانا تلميح عن إعصار كاترينا او أي كارثة طبيعية تحدث هناك.. بصراحة لا أستسيغ فكرة الدعاء بأن يهب إعصار على الناس هناك لأن فيهم كما قلنا مسلمون و أناس لا يضمرون شرا لأحد.. و قد يكون لك قريب يعيش هناك ( أخي هناك بالمناسبة ) أو صديق تحبه.. لكن يبدو ان بعض خطباء المساجد يعتبرون هذه البلاد مستعمرات للغزاء لا حبيب لنا فيها ..أو يصر البعض (في عصر العولمة في القرن الحادي و العشرين) على تحريم سفر المسلم إلى أوروبا و أمريكا ( يطلقون عليها دار الحرب أو منبع الكفر) إلا للضرورة القصوى.. خوفا من التعرض للفتنة و الكفر..و كأن أسلوب حياتنا (حضارتنا و ثقافتنا و ديننا) من الضعف , بحيث يتخلى عنه الإنسان فورا, لو رآى أي أسلوب حياة آخر!
يرون فقط أننا نحن (الطيبون).. و من نختلف معهم, فهم كفار و أنجاس لا يستحقون الحياة, بل و نتلذذ بترميل نساءهم و تيتيم أطفالهم!
دائما ما يصر الدعاة ( غير المجددين ) على بعض الأفكار الغريبة عن واقعنا الذي نعيشه .. منها أن :
- تأخرنا و تخلفنا جاءا لأننا ابتعدنا عن الله فقط .. ..لا لأننا شعوب سلبية لا نفكر و لا نخطط و لا تجيد سوى الكلام !!
- كل مشاكلنا جاءت بسبب العدو الذي يضمر لنا شرا نحن الغلابة المساكين, و لولاه لكنا أعظم شعوب الأرض... ..لا بسبب جهلنا و جبننا من مواجهة مشاكلنا الحقيقية, التي تكفي لتخلف عشرات الأمم ..!!
- هناك جنسين من المخلوقات يجب الدعاء عليهم طوال الوقت لأنهم سبب كل المصائب : اليهود و الأمريكان.. هكذا دون تمييز..!!
بلادنا مهبط لجميع الأديان السماوية , و شعوبنا هي أكثر الشعوب روحانية و تدينا على وجه هذه الأرض.. لو وجهت هذه الطاقة الإيمانية العظيمة , في اتجاه العلم و التنمية و إصلاح المجتمع , بدلا من توجيهها في اتجاه كره الآخر لأنه سبب كل المصائب ... لأصبحنا فعلا أعظم أمة .. و لأصبح الحال غير الحال..
أتوقع هجوما ضاريا على هذا المقال لأنني لم أستطع كره الآخر لمجرد أنه آخر...
ولأنني أؤمن أن السبب فيما نحن فيه هو (نحن)في المقام الأول, و ليس (هم)..
فهل هناك أمل , في أن نفهم هذه الحقيقة ؟
د.شريف عرفة