Loading

You are here

تخلص من مبارك اللي جواك !

بقلم : د.شريف عرفة

أول كاريكاتير يومي أرسمه ، كان لرجلين يمشيان في جو حزين.. يقول أحدهما للآخر: شفت اللي بيحصل في البلد ؟

فيرد الرجل: و احنا مالنا ..هي بلدنا ؟

أول تغيير حدث للمصريين بعد رحيل مبارك ، هو الشعور الصادق بالانتماء.. فلم يكن أحد منا يدهن الحوائط أو يكنس الشوارع..

لم يكن أحد منا يرفع العلم لسبب غير مباريات الكرة.. لم يكن أحد منا يشعر أن مصر هي بلده و أن له أي تأثير فيها..

و كنا نقول أن مستقبل المصريين الوحيد هو الهجرة لكندا.

بعد ٣٠ عاما من حكم مبارك ، تشوهت أشياء كثيرة في داخلنا .. منها ما رحل برحيله، و منها مايزال موجودا في وجداننا الجمعي حتى اليوم.

 و كي نستطيع أن نصبح شعب دولة عظمى، يجب أن نتخلص من هذه القاذورات

دعونا نتأمل بعضها معا :

===========

١- العمل السياسي:

"ماليش في السياسة يا عم !"

============

 كلنا نعرف أن مبارك بنفسه منع ممارسة السياسة في الجامعة كي يكون الشعب جاهلا سياسيا.. كما نجح في إبعادنا عن صندوق الانتخابات بأساليب عديدة.

فجعلها بالبطاقة الانتخابية - التي لا تستخرج إلا في وقت محدد في السنة- بالإضافة إلى التزوير السافر الذي أفقد الناس الأمل في العملية الانتخابية برمتها.

 في انتخابات الشوري السابقة لم أكن قد فقدت الأمل بعد وقررت أن أشارك بصوتي.. فجمعت أسماء المرشحين لأجري بحثا عن نشاط كل منهم لأقرر من سأنتخب...

فوجدت هذا الفيديو على يوتيوب أثناء بحثي عن إحدى المرشحات.. تأملوا الفيديو أيها السادة:

ده كلام يا جماعة ؟

في الانتخابات الرئاسية المزورة السابقة ، وجدت عضو مجلس الشعب في منطقتنا واضعا لافتة يقول فيها : "كل أهالي المعادي و البساتين يبايعونك يا مبارك" !!

فقررت مقاضاته و طلب تعويض، لأنني لا أبايع مبارك  و ليس من حقه أن يقول هذا عني.. فليكتب مثلا : كل أهالي المعادي ماعدا شريف عرفة يبايعونك يا مبارك..دعك من أنها انتخابات و ليست مبايعة !

فنصحني المحامي بالابتعاد عن وجع الدماغ الذي لن يأخذني لشيء.. لأنه من رجال النظام و لأنه يمثلني فعلا في البرلمان !

 و أنت تقرأ هذا المقال، فكر معي.. من هو ممثل دائرتك في مجلس الشعب ؟

هل تعرف أنه كان -غالبا- يصفق و يهلل و يوافق في المجلس، بإشارة من يد أحمد عز ؟

قبل أن تأتي الانتخابات التشريعية.. دعونا نبدأ بالعمل الجماعي الحقيقي في الشارع لاختيار أشخاص يمثلوننا فعلا.. 

و تذكر أن سلبيتك ، تعني سماحك لنفس الوجوه القديمة بالفوز مجددا و التحدث باسمك في البرلمان.

علينا أن نبدأ في صنع قياداتنا و تشجيع كل من حولنا على انتخاب الشخص المناسب.

و تذكر أن أنباءا تقول أن الحزب الوطني البائد يجتمع بأعضائه الآن بالفعل، ليخطط للانتخابات القادمة.

============

٢- التفكير العقلاني:

"يا جماعة حرام عليكم- إهئ إهئ- الراجل ماعملش حاجة!"

============

المؤيدون لرئيس الوزراء السابق الفريق أحمد شفيق، حجتهم القوية لتأييده هي: أنه راجل محترم و مهذب !

و هذا صحيح فعلا بلا جدال.. لكنه أيضا دليل علي فساد نظام مبارك! فمعني هذاأن كل رؤساء الوزراء السابقين كانوا متعالين عديمي اللباقة لا يتواصلون مع الناس.. لدرجة أن وجود (راجل محترم و مهذب) يعتبر مكسبا استثنائيا لابد من الحفاظ عليه!

و بالمثل ، حين حاول مبارك قبل رحيله مداعبة مشاعرنا .. كانت حجج المؤيدين له، أن له تاريخا و أنه راجل عجوز و مريض و حرام يسيب الحكم كده..

"و كأن من الصواب أن يحكم بلد مهم كمصر، رجل "عجوز و مريض" لأن له تاريخ، على سبيل الجدعنة و "مايصحش كده يا جماعة !

هل هذا منطق سليم؟

نحن شعب عاطفي أجاد النظام الحفاظ على هذه الصفة لديه.. لذلك يجب أن نحذر كي لا تكون عاطفتنا هي المحرك الرئيسي لنا

في الفترة القادمة نحن من سيصنع مستقبل مصر.. فلا تجعل العاطفة مقياسك الأساسي أمام صندوق الانتخابات.

ما الذي يؤهل (فلان الفلاني) لقيادة مصر بأسلوب  مختلف عن مبارك ؟

نحن نتكلم عن أفعال و مواقف حقيقية و ليس مجرد كلام.. فالكلام سهل لكننا نحتاج من عنده القدرة على التنفيذ و إدارة شئون البلاد بكفاءة و لديه إنجازات حقيقية تتكلم عنه.

قال لي احدهم على الفيس بوك أنه لن ينتخب الدكتور البرادعي عشان ساعات بيتهته! 

فهل هذا مقياس محترم يقاس عليه؟

 الرجل أثبت كفاءته عالميا، بانتخاب دول العالم له مرتين لإدارة مؤسسة دولية ، في منصب شديد الحساسية و الخطورة.. و أعلن أن العراق ليس فيه أسلحة دمار شامل ، و ليس ما نجح مبارك في إقناع الكثيرين به !

أنا شخصيا أحب البرادعي و كنت وسط من استقبلوه في المطار بالورود حين أعلن معارضته لمبارك..

لكن هذا -أيضا - لا يكفي لانتخابه.. فالمهم هو برنامجه الرئاسي القادم..

أليس كذلك ؟

============

- ٣- ابحث عن الحقيقة: 

" بيقولوا الراجل ده مش كويس!"

============

وجود مبارك في الساحة ، جعل تفكير الكثيرين منا أحاديا.. بمعنى أن : مبارك سيء، وأي شخص يهاجمه: بطل رائع و عظيم !

 حين تستقر الأمور ، لن يكون هناك إجماع قومي شامل على أي موضوع من الموضوعات !

 و هذا طبيعي و متوقع على فكرة.. فالناس مختلفون في أفكارهم و توجهاتهم.. و أي شخصية في الحياة السياسية المصرية مهما كانت نظيفة، توقع أن تجد هجوما حادا عليها في الفترة القادمة..

 لأن عندنا حرية تعبير.

في هذه المرحلة  علينا التمييز بين ما هو حقيقي و ما هو كاذب.. فحين يقول شعبان عبد الرحيم أن البرادعي هو سبب حرب العراق، فإن هذا لا يعني أنها الحقيقة.

الطريقة الصحيحة هي: القراءة و البحث.. الطريقة السهلة هي: أن تسمع رأي شخص تثق في معرفته و علمه

============

٤- تقبل الآخر: 

إنت تخرس خالص !

============

في أمستردام ، شاهدت مهرجانا في الشارع -تشارك فيه كل القوى السياسية- بمناسبة عيد تنصيب الملكة.. و رأيت أحدهم يرفع علم الشيوعية (المطرقة و المنجل ) !

فسألت صديقي عن هذا الأمر، فقال أن هناك بالفعل حزبا شيوعيا عندهم.. لكن ليس له شعبية و لا ينتخبه الناس.. لكنه يمارس حقه الطبيعي في التعبير عما يراه صوابا!.

و في واشنطن رأيت مظاهرة لبعض السود يشتمون فيها أمريكا ذاتها و ينادون بالتمييز العنصري ضد البيض !

سألت ضابط شرطة عن هذا الموضوع فقال أن هذه حرية التعبير و لابد من احترامها، ماداموا لا يؤذون أحدا و يتكلمون فقط !

لقد أصبحنا في بلد ديموقراطي أخيرا.. و أصبح هناك تيارات و أفكار و مرشحون و انتخابات حقيقية.. لذلك توقع أن يكون هناك خلافات في الرأي مع أقرب الناس لك.. لا تنفعل و لا تحاول إجبار الناس على اتباع وجهة نظرك.

فلك الحق في التعبير عن رأيك و المناداة به ، و لمن يختلف معك هذا الحق أيضا!

 و علينا جميعا احترام هذا الحق، الذي حصلنا عليه بدماء شهدائنا.

============

٥- الانفتاح على العالم : 

"آه يا عميل يا خاين"

============

و نحن أطفال ، كان عندنا أستاذ مريض بالسادية.. كان يستمتع بمعاقبتنا بمبرر أو دون مبرر.. لدرجة أن أحد الأطفال اشتكاه في قسم الشرطة لأن يده قد انكسرت من كثرة الضرب.

جاء الأستاذ في اليوم التالي و جعل هذا الطفل يقف أمامنا ، و ألقى عليه محاضرة في الأخلاق.. مفادها :  "بقى تشتكيني برا ؟ حد يشتكي أستاذه؟ كاد المعلم أن يكون رسولا.. أنا باعمل كده عشان أعلمك..

و الغريب أن الطفل اقتنع ، و طلب من والده أن يتنازل عن المحضر.

هذا المنطق يمارسه نظام مبارك منذ زمن.. و الغريب أن بعض الناس كانت تصدق.

كيف تطلب رقابة دولية عالانتخابات ؟

كيف تشتكيني في المحكمة الدولية ؟

"بقي تشتكيني برا ؟"

أوهم مبارك الناس أن الشكوى منه هي (استقواء بالخارج) و (تسويء سمعة الوطن).. في حين أن هناك منظمات دولية محترمة, مهمتها تحسين أوضاع البشر في كل مكان.. كمنظمات حقوق الإنسان.

لا تخف من العالم الخارجي.. دعونا نؤيد فكرة الرقابة الدولية (و القضائية طبعا) على الانتخابات.. فنحن بأنفسنا كنا نراقب انتخابات أمريكا و دول أخرى.. هذا ضمان للمصداقية لأن المزور يخاف من الفضيحة و خصوصا لو كانت دولية.

 لقد أقنعنا مبارك أن العالم كله يتآمر ضدنا ، كي نعتقد أنهم سبب ما نحن فيه،  و ليس فشله هو في إدارة البلاد.

و جعلنا نخاف من التعامل مع العالم كله .. كي لا نشتكيه لأحد

============

٦- كرامة المصريين 

"إنت عارف أنا ابقى مين ؟"

============

ق تعالي بعض رجال الأمن و اعتبار أنفسهم فوق القانون في ظل نظام مبارك، كان وسيلة تعويضية لنقص الرواتب و العمل الشاق الذي يتخلله مجاملة رجال النظام في السماح بتزوير الانتخابات أو الوقوف في التشريفات في الحر لساعات طويلة.. و هي أمور لا علاقة لها بوظيفة الشرطة الحقيقية. . 

النظام أفرز هذه الشخصيات الموجودة بالفعل، و التي التحقت بجهاز الشرطة فقط كي تحصل على هذا الشعور بالتفوق.

و هو  الدافع هو الذي جعل كثير من الناس يلتحقون بالحزب الوطني بالمناسبة.

 هذا الشعور -السيادة و العبودية- متبادل بطبيعة الحال.. فالشعور بالعبودية مترسخ في قلوب بعض الناس.

- شاهدت في التلفزيون المصري - قبل رحيل مبارك- رجلا يبكي و يقول : عايز أجي أعتذر لك يا ريس و أجيب مراتي و عيالي و نعيش تحت رجليك نخدمك طول العمر!

يسمون هذا في علم النفس (التماهي مع المعتدي) .. أي أن القهر الذي تتعرض له يجعلك في النهاية تتقبل الوضع و تتعاطف مع المعتدي و تتقمص وجهة نظره و احتقاره لك.. كي تبرر لنفسك منطقية ما كان يفعله.. و عرف هذا على الإنترنت بمتلازمة ستوكهولم.

عزيزي المصري..  لا تسمح لأحد أن يمارس فكرة التسلط عليك.. كلنا مصريون و الاحترام -كل الاحترام- للقانون الذي يفصل بيننا.

الرئيس القادم موظف عام له كل الاحترام و كل التقدير بحكم منصبه ..لكن مسموح بنقده بالطبع.

فلا يوجد إنسان كامل.. كما كان يحاول ممتاز القط أن يصف مبارك

============

 

٧-- الديكتاتورية المضادة:

" هانشنقهم في ميدان التحرير"

============

عبأنا نظام مبارك بالغضب و القهر.. لذلك حدث الانفجار.

صدمني رد فعل الناس في حادثة سائق المعادي.. حين أطلق ضابط شرطة الرصاص على سائق فأوسعه الناس ضربا حتى كاد يفارق الحياة.

و ضايقني فيديو  لمجموعة من الرجال، يحملون شخصا مضرجا بالدماء على سيارة نصف نقل، و يطوفون به في المكان.. و قيل أنه معاون شرطة كان يعذب المواطنين و ها هم ينتقمون منه.

،لاحظ أن مبارك شجع استخدام البلطجة للخروج على القانون..فأحكام القضاء لا تنفذ و أصبح الناس يلجأون للبلطجية لتطبيق عدالتهم الخاصة.. كان هذا في عهد مبارك فلا يجب أن نلوث سمعة ثورتنا العظيمة بالدماء.. فالقانون سينتقم لنا ممن نراهم مخطئين، فلابد من احترام سيادة القانون.

 لا يجب أن نكون أكثر بشاعة من نظام مبارك، فنعود أسوأ مما كنا قبل الثورة.

حتى المسئولين الذين تتم محاكمتهم ، أتوقع أن يخرج بعضهم بحكم البراءة.. علينا وقتها - أيضا - أن نحترم سيادة القانون ، طالما تحقق استقلال القضاء.كما لا يجب أن نكره الشرطة بشكل مطلق و نعمم أخطاء بعض المنحرفين.. فالشرطة لها دور قومي عظيم في نهضتنا القادمة.

قريبا جدا ، لن نحتاج إلى التظاهر من أجل تحقيق مطالبنا.. سيصبح هناك قانون حقيقي.. و قضاء حقيقي.. و انتخابات حقيقية..

عندها،  ربما يصبح الالتقاء في ميدان التحرير كل يوم جمعة ، نوعا من الاحتفال الأسبوعي، الذي سيأتي السياح حول العالم لزيارته و لاستلهام روح هذا الشعب العظيم.

عزيزي المصري..

نحن نعيش في وطن واحد..

و حان الوقت ليكون أعظم وطن في العالم.

د.شريف عرفة

تعليقات القراء