Loading

You are here

مصر و حاجز الـ4 دقائق !

يقول العلماء أن للإنسان قدرات محدودة لا يمكنه –بأي حال- تخطيها.

فقالوا مثلا, أن أسرع إنسان في العالم, لا يستطيع أن يجري مسافة ميل (أكثر من كيلومتر و نصف) في أقل من 4 دقائق.. هذا هو الرقم القياسي العالمي و أقصى حدود القدرات البشرية.

ظلت هذه الحقيقة العلمية متعارفا عليها لسنوات طويلة.. إلى أن جاء شخص و قرر أن يكسر هذا الرقم.

سخر منه الجميع بالطبع , و قالوا أن هذا مستحيل فيزيائيا ..إلا أنه كان مصرّا بشكل غريب.

في يوم 6 مايو 1954 استطاع البريطاني "روجر بانستر" أن يتحدى حاجز الـ4 دقائق.. و جرى هذه المسافة في أقل من 4 دقائق بنصف ثانية فقط!

كان هذا حدثا عظيما في تاريخ الرياضة.. و سجل كرقم قياسي عالمي اعتقد العالم طويلا أنه مستحيل.

هذه القصة تصلح كقصة نجاح -خاصة أن "بانستر" تخصص بعدها في طب الأعصاب و أصبح أستاذا في أوكسفورد و حصل على لقب سير- إلا أن هذا ليس موضوعنا.

فالأهم و الأكثر إثارة, هو ما حدث بعد ذلك.

بدى الأمر و كأن "بانستر" أطلق صافرة البداية ..فبعد الإعلان عن هذا الإنجاز كسر المئات حول العالم حاجز الـ4 دقائق ..بل وكسروا أرقاما قياسية جديدة تفوق الإنجاز الأصلي. (كالآيرلندي إيمون كوجلان و المغربي هشام الكراج و الكيني دانيل كومان و الأمريكي جيم ريان و ألان وب و.......إلخ)

ليس هذا فقط.. بل أصبح حاجز الـ4 دقائق اليوم, معيارا لاحتراف عدائي المسافات المتوسطة الرجال!

ما الذي يعنيه هذا؟

لماذا كان حاجز الـ4 دقائق مستحيلا, ثم أصبح -فجأة- شيئا عاديًا و طبيعيا؟

الحاجز

تبين العلماء أن حاجز الـ4 دقائق, لم يكن إلا حاجزا نفسيا!

فعندما تعرف أن حلمك قابل للتحقيق ، فإنك تصبح أكثر تصميما و قدرة على تحقيقه .. و حين تعتقد أنه مستحيل , فإنه سيكون مستحيلا فعلا !

و هذا ما حدث في مصر.

لسنوات طويلة , ظل المثقفون المصريون يناضلون, كي يحققوا الديموقراطية و حرية التعبير في مصر.. لأنهم كانوا يعرفون أنها موجودة في بلاد أخرى.

طوال هذه المعارك , ظل رجل الشارع على الحياد.. ربما يمصمص شفتيه و هو يشاهد أخبار الفساد , أو يقول نكتة عن (الريّس) ثم يعود لحياته ماشيا جنب الحيط.

 يقول المخرج عمرو سلامة أنه حاول شرح سبب تظاهره للعسكري الذي كان يضربه.. فكان العسكري يستفز و يضربه أكثر قائلا: عامل فيها مثقف يابن ال.....!  

هذا كلام مثقفين لا أكثر..التغيير غير وارد يا جماعة.. لا يوجد نموذج واحد مماثل يقاس عليه و يفهمه رجل الشارع البسيط.

لا تكلمني عن الديموقراطيات الغربية فالكلام ده عندهم مش عندنا..الرئيس لم يتغير منذ ولدنا.. و كذلك الفقر و الروتين و الفساد.

هذه هي الحياة- تغييرها مستحيل و علينا أن نتحملها كما هي.

وكان هذا هو الحاجز الفكري الدائم، بين المثقف و رجل الشارع.


 * * *

كي تحقق شيئا , عليك ان تؤمن أنه ليس مستحيلا..

 ما حدث في تونس، جعل المصريون العاديون يعرفون أن التغيير ليس مستحيلا, فنزلوا  إلى الشارع مع النخبة.. و حين قهروا المدرعات و القنابل, نزل مصريون أكثر.. و حين احتلوا ميدان التحرير , زاد المصريون أكثر و أكثر.. و حين بدأت التنازلات نزل المصريون أكثر و أكثر و أكثر...

ما حدث هو أن حواجز كثيرة قد تم كسرها..  رأى المصري البسيط أن التغيير ليس مستحيلا كما كان يتصور.

 * * *

ولكن، ماذا بعد ذلك؟  نجاح الثورة ليس هدفا, لكنه عودة للبداية الصحيحة.

في هذه المرحلة , يجب ألا نعيد اختراع العجلة و أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون.

 على المثقفين واجب شديد الأهمية في هذه المرحلة.. و هو أن يجعلوا الناس يرون كيف يعيش العالم حولهم و يشرحوا لهم كيف أن هذا قابل للتحقيق في بلادنا.


لازال ممكنا أن يحكمنا شخص كـمهاتير محمد ليصنع نهضة تمنيناها طويلا..
لازال ممكنا أن يقضي رجل كـمحمد يونس على الفقر في بلادنا.

اليابان نهضت بعد آن ألقيت عليها قنابل نووية .. ألمانيا نهضت بعد أن دمرتها الحروب.. أمريكا صنعت الحضارة في عقود قليلة...
تركيا نمت اقتصاديا و أصبح لها دور إقليمي و ثقافي في المنطقة في فترة وجيزة..

في هذه المرحلة علينا أن نتعلم.. أن نعرف..


علينا أن ننفتح على العالم و أن نؤمن بالتعددية و حرية التعبير و الاعتقاد.. على رجل الشارع البسيط أن يدرك أن هناك مجتمعات متعددة الثقافات و الأديان و الأعراق و حتى اللغات.. يعيش فيها الناس جنبا إلى جنب في سلام ليحققوا نهضة لا تستطيع البلاد أحادية التفكير أن تحققها..

الديكتاتورية هي أن تجبر كل الناس علي أن يفكروا مثلما تفكر و إلا كانوا خونة أو كفارا...و الديموقراطية هي أن نفكر معا و نكمل بعضنا البعض، و من حق كل شخص أن يعتقد فيما يشاء.

فهل سيجتاز المصريون هذا الاختبار؟

لقد أثبتنا أن بإمكاننا أن نقتلع الحشائش الضارة..

فهل سنستطيع أن نزرع في أرضنا المحصول الصحيح؟
 
د.شريف عرفة

ملحوظة للقارئات: حاجز الـ4 دقائق في بداية المقال, لم تكسره سيدة حتى لحظة كتابة هذه السطور. قد تكوني أنتي صاحبة هذا الإنجاز.. من يعلم؟

تعليقات القراء